نور
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أحزان الأبنودي غير العادية في أحدث قصائده ..

اذهب الى الأسفل

أحزان الأبنودي غير العادية في أحدث قصائده .. Empty أحزان الأبنودي غير العادية في أحدث قصائده ..

مُساهمة  NOUR الإثنين ديسمبر 08, 2008 7:37 pm

أحزان الأبنودي غير العادية في أحدث قصائد ..
حتي الآن لا أعرف متي يأتي الشعر.. ولماذا؟
حاوره: جمال الغيطاني
أحزان الأبنودي غير العادية في أحدث قصائده .. 12

<table cellSpacing=0 cellPadding=0 align=top border=0><tr><td>أحزان الأبنودي غير العادية في أحدث قصائده .. Pic_1_7</TD></TR>
<tr><td align=middle></TD></TR></TABLE>
أعايش شعر عبدالرحمن الابنودي منذ صدور ديوانه الأول 'الأرض والعيال' الذي كتبت عنه مقالا طويلا في جريدة المساء، في الملحق الثقافي الذي كان يحرره طيب السيرة والذكر عبدالفتاح الجمل، منذ ذلك الوقت أصبح شعر الابنودي جزءا من تكويني الثقافي، ومسارا خصبا في روحي، وركنا في ذاكرتي، بل إنني من خلال أطواره يمكنني أن أتتبع تاريخي الشخصي المرتبط بأحزان وأفراح الوطن، فنحن من جيل واحد لم يفصل قط بين الخاص والعام، سواء في قصائده الذاتية أو تلك التي ترقي إلي مستوي الملاحم، مثل سيرة 'أحمد سماعين' و'جوابات حراجي القط' لفاطمة أحمد عبدالغفار أو 'وجوه علي الشط'.
تلك بعض من أسئلة، ونصوص أجوبة عبر ذلك الحوار الطويل الذي أرجو أن أتمه يوما ليشكل ملامح تجربة مشتركة لجيل واحد عاني كثيرا، وتقلبت به الظروف والأحوال لكنه مازال يبدع برفعة وصدق ونبل. لعل المفتتح المناسب بسؤال عن رحلته الطويلة مع الشعر، لماذا يغيب الشعر أحيانا وكيف يأتي؟ كيف يري ما مر به من نقطة متقدمة في العمر والتجربة؟
]هكذا تكلم الأبنودي
دائما كنت أؤكد علي أن رحلتي مع الشعر هي رحلة من جانبه هو وليس من جانبي، بالطبع أنا أعشق الشعر عشقا حقيقيا وربما أكثر من أبي وأمي لانه هو الذي اعطاني كل شيء من الاسم إلي اعادة رسم الملامح إلي المكانة الي ذلك الحب الكبير الذي اتمتع به علي مساحات الخرائط العربية، وحين أؤكد أن العلاقة هي علاقة الشعر بي وليس علاقتي بالشعر أعني بذلك أنه الاقوي وأنه الذي يقرر متي يأتي ومتي يغيب. حاولت كثيرا جدا رصد هذه العلاقة بيني وبين الشعر أو بين الشعر وبيني ومن خلال مقارنة تجربتي بتجربة الشعراء الآخرين فلاحظت انني من هؤلاء الذين يضعون ورقة وقلما في جيبهم ويضيفون أبيات القصيدة التي يكتبونها وهم جالسون معك، وانما في حالتي يأتي الشعر بلا مبرر أحيانا وبمبررات شديدة الواقعية والمباشرة أحيانا وربما كنا جميعا وأعني الشعراء بالذات فالروائيون والقصاصون والمسرحيون والسينمائيون يملكون لحظة الارادة هذه ويتحكمون في مفتاح أبواب ابداعاتهم الساحرة، أما في حالتي وأنا راقبت كثيرا هذه العلاقة في محاولة للاجابة علي سؤال: متي يأتي الشعر؟ هل وأنا غريب أو في بلادي؟ هل وأنا موسر أو مفلس؟ هل وأنا جائع أو متخم؟ هل في الضجيج أو الهدوء الشديد؟ وجدتني كتبت في كل هذه الحالات، ولم أكتب في كل هذه الحالات أيضا!
أنت تتذكر ونحن رفيقا سجن واحد، أنني كنت أقوم ليلا والمساجين نائمون لأكتب أهم عمل شعري في حياتي وهو 'أحمد سماعين.. سيرة إنسان' ولاشك أنه وضع مضحك للابداع بينما لم استطع كتابة الفصل الاخير فيه.. إلا حين ذهبت إلي أبنود وقضيت هناك فترة، أنا لا أنكر أن الشعر يحبني وأنه وهبني الكثير من فيضه لكنه أحيانا يحرجني احراجا فاضحا حين لا يأتي لفترات طويلة وكأنني قد نسيته، وكأنه قد نسيني، ولقد كنت أكتب في الستينيات علي مقهي ايزائيفتش في ميدان التحرير حيث صياح الجرسونات، وضجيج السيارات ودبيب الداخلين والخارجين وكنت حين يمر أسبوع بدون قصيدة أفزع كأني فقدت وجودي نفسه.
أظن أن هذا نابع من 'فرجتي' الأولي علي الشعراء الشعبيين الذين كان الشعر ينساب من بين أصابعهم علي الربابة وأفواههم في ارتجال عبقري كأنه التنفس إلي جانب تلك البيئة الشعرية التي نشأت بها أو فيها في الحوار بين الأميين من الشعراء في شجار شعري بالغ القيمة ولا تنس تلك الأغنيات المندلعة من تحت الشواديف ومن فوق النوارج وهي وإن كانت تصور علي شكل أغنيات إلا أنها فيض من الابداع الشعري إلي جانب.. المراثي النسائية، الأغنيات في المواسم والمناسبات التي تخرج في أي لحظة تستدعيها المرأة أو الرجل، ذلك ما يجعلني أفزع حين يغيب الشعر، لقد ربيت في بيئة لا يمكن للشعر أن يهرب من قائله في اللحظة التي يستدعيه فيها سواء كان بالحفظ أو بالارتجال، لذا فإن هناك احساسا يشبه الاحساس بالعار، حين تغيب القصيدة التي تستر بدن الشاعر بين المبدعين وبين الناس..أحزان الأبنودي غير العادية في أحدث قصائده .. 15
ان الشعر هو الذي يحدد ملامح شاعره فيمكن أن تحبه أو تكرهه 'من شعره' فأنت حين تذكر اسم محمود درويش لا تتذكر وجه محمود النحيل الأبيض بنظارته وشعره الناعم، يطل عليك وجه آخر تحددت قسماته من خلال كل محمودات درويش الشعرية، لذلك أقول دائما أن الحرب ضد الشعراء لا يحسمها كلام المقاهي ولا تلويث السمعة وتغيير ملامح الشاعر بوجه بشع، وانما الحوار مع المبدع أو مناطحته أو محاولة هدمه لا تأتي من خارج القصيدة علي الاطلاق فلربما أنت شخصيا لو جمعت كم السهام التي وجهت إليك لوجدتها كومة كبيرة، رغم ذلك أنت تكتب وتحرر وكلام الآخرين ذاب في الهواء ولم يؤثر في قيمتك الابداعية، نفس الأمر بالنسبة لأشباه الشعراء الذين ليس لديهم مشروع شعري كبير والذين يعرفون أنهم لن يبلغوا شاطئا مهما كان قريبا. المسألة ليست لعبا أو هنكرة، إنما المسألة دأب وجهد وخوف رهيب علي ما سيأتي، يعني هذا العالم خارج القصيدة الذي نعيشه ونتنفسه ونتنسمه ونعانيه، دون أن نفكر بالشعر، وإذا بالقصيدة تقتحمنا وقت أن تريد هي ليصبح الشاعر الحقيقي مجرد ساعي بريد يحمل الهبة ويفرقها علي الناس، ربما يختلف الأمر كثيرا أو قليلا مع الروائي أو المسرحي لأن هذه الفنون تحتاج إلي تفكير طويل، وبين الكتابة والكتابة يظل الروائي يستنطق الشخوص والأحداث في خياله إلي أن يجلس فيحيل هذه الأفكار الطيفية والأحداث المبهمة إلي واقع حقيقي في البناء الروائي يستكمل به ما فات ويمد الخيوط إلي ما هوآت. فالروائي لا يكتب الرواية في جلسة واحدة، لكن قد يطول به همها الشهور أو سنين، أما القصيدة &shy; 'عندي علي الأقل' &shy; فهي دفقة حارة واحدة كهبوب الريح ثم تصفو السماء كأني لست كاتبها ولم أسع إليها، ولذلك فإنني في كل مرة اقرأ شعري علي الناس أفرح به وكأني اكتشفه من جديد أو أعيد كتابته أمام الجمهور مرة أخري موهما إياه بأن كل فرد فيه يستطيع أن يكتب القصيدة لأنها علي هذا القدر من البساطة. الواقع أن قصائدي بسيطة مهما تشبعت بالخصوصية والتفت أبياتها حول نفسها فدائما في قصائدي يجد الناس أنفسهم ولا يضلون.
ننتمي دوما إلي ما سماه البعض جيل الستينيات، وما أسميه ظاهرة الستينيات الأدبية، والآن تغيرت القيم والمعايير، حتي ليصف البعض جيلنا بأنه جيل الوطنية المتعصبة والقومية الفاشية، ما تأثير ذلك علي الشعر وكيف تراه؟
&shy; أنت تعرف أني أنتمي إلي جيل الستينيات بقوة، فإذا كنت أعتبر أن قريتي 'أبنود' هي المنبع الفطري الأول الذي اغترفت منه التجربة والوعي والقيم، فإنني أؤكد علي أن تجربتي مع إخواني من جيل الستينيات في القاهرة في النضال الخفي والعلني هي مصدر المعرفة الحقيقية التي منحت التنظير الفكري لكل تجربتي الأولي في صعيد مصر..
لذلك فمهما حدث من خلافات بيني وبين جيلي فإنني أصر علي الصداقة ولا أتخلي عنها وأنتظر بالسنين حتي تعود العلاقة كما كانت علي الرغم من أن السنين تغيرنا وتبدل أحوالنا وأقوالنا والظروف التي تحيط بنا من سياسية إلي اجتماعية....... إلخ
تماما كما أتحمل لوم أصدقاء لي في 'أبنود' أو مقاطعتهم لي إلا أني أعرف أن من يتخلي عن أمه يستطيع التخلي عن كل شيء ويقدر علي خيانة ماضيه ومستقبله بالتالي.
إن فترة الستينيات بالنسبة إليٌ هي فترة التفتح والمكاشفة حيث عري الوعي والتجربة جسديهما أمامي للمرة الأولي ولولاها لكنت شاعرا فلكلوريا بسيطا يمشي علي هوامش الشعر ويملأ شعره بالنخيل والنجيل و'عوجة البق الصعيدية'.
إن هذا المزج بين الغني الأبنودي ووعورة التجربة الستيناتية بما فيها تجربة المنظمات الأرضية والسجن والتفتح علي أحوال الدنيا والغوص في لعبة الطبقات وصراعها والفهم الموضوعي لقضايا الاستعمار للدول المتخلفة نحا بشعري إلي مدارات أبعد وميزني كشخص عن قريتي وزج بالوعي المدهش إلي شعري دون افتعال أو تصنع حيث صارت السلاسة من أهم مميزات ما أكتب.
وإن حزني علي من نفقدهم من جيلنا يفوق كل حزن إذ لم أكن أتخيل الحياة &shy; مثلا &shy; بدون 'سيد خميس' كصديق حميم وشاهد أمين علي رحلتنا عبر مشقاتها وعطائها!!
من يقرأ أشعاري يا أستاذ 'جمال' يتوهم أن بساطتها استسهال، لذلك ظهرت العشرات ممن يكتبون شعرا سهلا ألقت به الأيام في سلال المهملات، ولقد كابدت وأجهدت كثيرا لإثبات أن البساطة عندي هي حدة وعي ونقاء بصيرة فأنا الشاعر الوحيد الذي لم استدن لفظة أو تعبيرا من مبدع آخر سواء كان شاعرا أو قصاصا أو فيلسوفا.
إن الجهاد ضد أفكارنا القديمة المتخلفة التي جئنا بها من بيئاتنا اتخذ صورة المعركة الشرسة لإعادة صياغة القيم وتطوير الإيمان القديم. لذلك فإنني أسخر من هؤلاء الأغبياء الذين يريدون تحويل إبداعاتنا إلي منافسة بين شعراء صعايدة وشعراء بحراوية ليغموا العيون عن انتاجهم الهزيل باختراع مبرر لضعفهم أكثر ضعفا.
إننا أبناء مصر ، بل والأمة العربية جمعاء، ولو قارنت بين جمهوري في مصر وجمهور أمسياتي في العالم العربي لتعجبت.
ولو كنت ذلك الشاعر الفولكلوري أو ذلك المهيج السياسي الفج لما صارت علاقة الأمة العربية بي عميقة إلي الحد الذي لا ينافسني شاعر في عدد الدعوات التي أقبلها والتي أعتذر عنها.
مازال في جيل الستينيات بقايا من عشق الأمة والارتباط بها علي الرغم من كل تلك الضربات التي وجهت إلي ذلك الحلم الذي يشابه البلاهة. لكن ذلك لا يمنع الهم الذاتي أن يقف في وجه مأساتنا، والهزيمة التي جمعت في رحابها الحكام العرب بينما الصعود إلي التوحد والتقدم فرق بينهما كثيرا.
الشعر وعاء لكل ذلك، صرخ أو همس، عادي أو صادق، نحن صامتون لكن ابداعاتنا هي التي تقاتل من أجلنا!!
بدون أن نتفق، أو نلتقي، اتجهنا إلي جبهة القتال بعد هزيمة يونيو، اقمت أنت في شط السويس، وكان نتاج ذلك 'وجوه علي الشط' وعملت أنا صحفيا متخصصا في تغطية معارك الجبهة، ألا تري معي أن تلك الحقبة كانت فاصلة، وأن جيلنا تحمل الدفاع الروحي عن جوهر مصر، وتحمله ماديا أيضا، فالذين عبروا في أكتوبر كانوا مجايلين لنا، كيف تبدو تلك الفترة الآن مع كل هذا التغير الذي حدث؟ هل تشعر بندم ما أو نقد ما للذات؟
أظنك أيضا بل ومعظم أبناء الستينيات كنا نعتقد حقيقة في النضال وفي قدرة مصر علي أن تحقق ذاتها، وعلي الرغم من أنها وهي في أحسن حالاتها اعتقلتنا لإسكات أصواتنا ولكننا لم نستسلم لفكرة الاعتقال أو أننا والسلطة نتنازع حب مصر بل كنا نسلك بما يمليه علينا الضمير والوعي، لذلك فانني حين زرت السد العالي بين عماله وفي ظروف بالغة السوء كنت أعلم أن مصر كانت هناك ولم يكن ممكنا أن احرم نفسي من رؤيتها وهي تبدع هذا العمل الخالد ولم أذهب إلي أسوان كشاعر، انما ذهبت إلي أسوان كستيني لم يكن يجلس علي المقاهي في القاهرة ويدير ظهره لمصر التي كانت تتجسد في عمال هذا البناء. نفس الأمر حين كانت مصر قائمة علي شط القناة، لقد غيرت اقامتي بين الفلاحين الذين رفضوا الهجرة واصروا علي البقاء تحت الموت اليومي. الصواريخ والطائرات غيرت الكثير من مفاهيمي الجاهزة التي استقيتها من المثقفين ومن أفكارهم عن أهل الأرض والعرق والعمل، أقل ما في ذلك هي أن فكرة أن الفلاح المصري عبد للأرض، وأنه يعبد الملكية. لذلك اعتقدت لفترة طويلة أن هؤلاء الناس رفضوا المغادرة خوفا علي فدان الأرض من أن يعبث به عابث واكتشفت أثناء توغلي في أيام المعركة وتعرضي للموت أكثر من مرة أن الأمر كان يتجاوز ذلك بكثير. كان عم ابراهيم أبوالعيون والحاج محمد عبدالمولي يدينان هؤلاء الذين هاجروا ويتهمانهم بالجبن ويقولان انهما ذاقا الأمرين وهما صغيران خلال الحربين العالميتين وحرب 1956 وحرب 67 انه كان لابد للجنود الذين يتصدون للعدو من جبهة خلفية من البشر العاديين يشدون الأزر ويقطعون عليهم طريق الاحساس بالغربة فكانوا أهلا، فقط أريد أن ابلغك بأن من يذهب في مثل هذه الظروف يقصد الكتابة فانه لن يكتب شيئا ذا قيمة.
أقاطعه قائلا إن يحيي حقي نصحني بذلك في عام خمسة وستين عندما نقلت قسرا إلي الصعيد، وكنت متأثرا بكتابه الجميل خليها علي الله، قال لي: لا تتعمد أن تري لأنك لن تري شيئا، إذا تعمدت، وهذا درس التزمته فيما تلا ذلك..
يقول الأبنودي:
هذا حقيقي، ولعلي عبرت عن هذا المعني فيما ذكرته، لكنني أريد القول أيضا أنه لم يكن بمستطاعي البقاء في القاهرة بينما مصر تغلي سلبا أو ايجابا في مواقع أخري بعدت أو قربت، أما الكتابة فانها تهب فجأة وكما قلت لك ليس لدي ارادة استدعاء الشعر، انما حراجي القط وزوجته فاطمة أحمد عبدالغفار تفجرا فجأة وأنا في بيتي في باب اللوق فانكببت اكتب العمل دفعة واحدة ولم يستغرق أكثر من ثلاثة أيام بليلاتها وحين قبض عليٌ في عام 66 دخل المخطوط من ضمن الاوراق التي كنستها المباحث العامة وحين خرجنا من الاعتقال حاولت استرداد أوراقي فسومت علي أن أعمل في خدمة الأجهزة البوليسية فلعنت أبا حراجي القط ونسيته تماما كأني لم أكتبه.
عندما طلبت استرداد اشعاري أرسلوا لي مع غالب هلسا رسالة معناها تعاون معنا مقابل أن نرد إليك أشعارك هكذا قررت أن أنسي حراجي القط ورسائله ولكن في السويس حدث امر آخر. ففي الوقت الذي كانت تتكون فيه ملحمة وجوه علي الشط والتي كانت أولي بالكتابة في تلك اللحظات أصر حراجي القط علي الحضور، وأذكر شجرة التفاح التي كان يمتلكها ابراهيم أبوالعيون وحين طلبت من البت جمالات 'إحدي بطلات وجوه علي الشط فيما بعد' طبلية وكباية شاي وانكببت علي تصوير حراجي القط وزوجته وكأنني لم أكتبهما من قبل، كأن العمل كان محفوظا لدي في الذاكرة.
هذه واقعة أعرفها لأول مرة، إذن ما نقرؤه الآن من خطابات حراجي القط ليس النص الأول؟
&shy; إنه حراجي مختلف تماما عن النص الأصلي الذي اغتصبته المباحث العامة، لقد كتبت حراجي الأول عام 65، وكتبت الثاني بعدها بعامين ونصف علي شاطيء القناة، كذلك الأمر بالنسبة لأحمد سماعين الذي كنت قد بدأت اجمع نصوص السيرة الشعبية للهلالية من الشعراء والرواة، تذكرت ابن عم لي اسمه محمد مصطفي عاش يتيما بيننا واعتمد علي نفسه منذ الطفولة وصار رمزا في الايثار واعطاء نفسه للناس فقلت لنفسي إن البطولة في هذا الزمان هوان تكون محمد مصطفي، ان تعيش حياته وان ترضي عن يومك وهكذا ظهرت في الأفق أمامي مسيرة هذا الابن عم وبطولته التي تستحق التسجيل ولقد اسميته أحمد سماعين لسببين أولهما لكي لاينزعج حين يقرأ حياته، اقصد حين تقرأ له، وثانيا لان أحمد سماعين اسم يجتاح الصعيد من أوله إلي آخره، ولا يوجد قرية ليس فيها أحمد سماعين، وفي كل الحالات فإن كل الشخصيات التي كتبت عنها إنما هي تكتبني أكثر مما أكتبها ولو دققت النظر في أحمد سماعين سوف تجد ملامح كثيرة مني، عواطفي وتفكيري، ملامحي، ايماني بالآخرين، نفس الأمر مع حراجي وفاطمة أحمد عبدالغفار، لا تختلف عن أختي فاطنة، هي الشخصية التي بنيت عليها الشخصية، في الحقيقة أنني لست مؤلفا مثلك، لا استطيع ابتداع شخصيات غير موجودة في الواقع، واكسابها لحما ولونا ولغة وطباعا وانما أكتب عن أناس اعرفهم حق المعرفة، كان حراجي يلعب معي في الطفولة واعرف أحمد سماعين، وأعرف كل وجوه علي الشط، الشخصية الوحيدة التي كتبتها ولم أكن قد التقيت بها هي شخصية الخواجة لامبو الذي مات في أسبانيا ولو كان من الممكن أن يكون شاعر الجيتار هذا شاعرا للربابة لاخترت سيد الضوي، لكن الأمر لن يكون منطقيا، فهو لم يعرف حتي الآن معني الحرية ولا كيف يغنيها علي ربابته، أو لماذا؟
من هنا كان لابد من ابتداع بيئة بأكملها تصلح لان يولد فيها مثل هذا الشاعر الذي يشبه شعراء التروبادور فكانت أسبانيا هي أقرب البيئات لظهور شخصية تشبه لامبو إلي جانب تاريخها في الحرب الأهلية التي استقطبت معظم أدباء العالم الكبار مثل مالرو وهمنجواي وغيرهما. تعجب كثيرون حين علموا انني لم أر أسبانيا حتي الآن، وان كنت قرأتها في أشعار لوركا.
هل يمكن القول أن ادراكك الحاد للزمن بدأ مع قصيدتك الرائعة 'الكتابة' ثم 'الأحزان العادية'؟
&shy; هذا صحيح وان كنت اعتقد أن هذا الاتجاه تبلور عندي في قصيدة 'تفاحة آدم' التي نشرتها في أخبار الأدب. كانت رثاء لشاعرنا الكبير محمود حسن اسماعيل كان فيها صوت خفي، والأخذ من شعر محمود حسن اسماعيل وتحويلها الي عجينة ممزوجة بتشابكاتها الذاتية، ومن بعدها عدت إلي التأمل الذي تحويه قصيدة الكتابة وقد ظهر هذا جيدا في قصيدة 'النمل' وأظنها من أفضل قصائدي ثم كتبت قصائدي الكلاب، بها زعقات أقرب إلي زعقاتي القديمة، كانت قصيدة 'يامنة' ربما من أفضل قصائدي علي الاطلاق فانها تهز البشر في كل مكان يحدث قبل أن اقف علي اية منصة في أي بلد عربي أن اسمع أول ما اسمع من همهمات الجمهور، اسم 'يامنة' ولكن هذا العام اتخذت القصائد التي كتبتها منحي شديد الغموض يتسم بالبكائيات الصعيدية التي تخفي معانيها في داخلها علي قدر الحزن الحقيقي الذي تنشده المرأة الصعيدية، صحيح أن كلها تدور حول فكرة الموت لكن بالطبع لا اعني موتنا الجسدي لكنني أرثي الآمال الكبار والطموحات التي استشرفت عالما غير ذلك الذي جاء والذي حوصرت وكأنها قتلت أو ماتت. في قصيدة فارس الضياء أرثي مناضلا قديما أعطي كل حياته لفكرة ان الغد للفقراء وانه سيكون أجمل بكثير مما نحن فيه وان هذا الذي استقر من حولنا كالاحجار الثقيلة أنما هو قدر أبدي ووضع دائم وهذه هي الهزيمة وهذا هو الموت، لقد تعلقنا بمقولات مثل 'بكره أجمل من النهاردة' وان الحتمية التاريخية سوف تحقق أحلام الفقراء وأحلامنا كطليعة لهم وعلي ما يبدو كنا نرقص خارج الدائرة، نفس الرحيل بالنسبة لقصيدة 'الرحيل' وأيضا قصيدة 'بيض الحبل' علي الرغم من الرأس الفولكلوري الذي اضعه كمقدمة ونصبته كشاهد علي رأسي. كذلك قصيدة 'سعر الصوت' التي يتجسد فيها الموت كشخص يتبدي لي في كثير من الاحيان وعدم مراوغته اذ لم يعد في جعبتنا ما نخشي عليه

أحزان الأبنودي غير العادية في أحدث قصائده .. 15
NOUR
NOUR
Admin
Admin

انثى
عدد الرسائل : 474
العمر : 35
الموقع : https://nour.gid3an.com
العمل/الترفيه : الرسم
المزاج : رايق جدا
تاريخ التسجيل : 03/08/2008

https://nour.gid3an.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى